جو 24 :
كتب الدكتور المحامي صدام أبو عزام –
للأسف الشديد تشهد بعض دول العالم حملات منظمة تقدم طلبات لترخيص مسيرات ومظاهرات يتخللها إحراق المصحف الشريف، وتم في السويد مؤخراً الموافقة على ترخيص مثل هذه الحملات، الأمر الخطير أن هذا الترخيص يضفي شرعية قانونية على هذا الفعل، ولعل المقاربة التي إستندت اليها السلطات السويدية على وجه التحديد تقوم على ذريعة مبدأ الموازنة بين الخطر المتوقع والطلب المقدم وخلصت إلى أن الخطر المتوقع لا يشكل خطراً يوازي الضرر المترتب على خطر رفض الطلب المستند على الحق في حرية الرأي والتعبير.
لعل هذه المقاربة يشوبها العديد من الإشكاليات والتحديات إذ الإستناد المنفرد على الحق في حرية الرأي والتعبير لوحده يشكل إخلالاً بمقاربة شمولية وتكاملية حقوق الإنسان برمتها، فالأصل أن يتم النظر إلى أن هذا السلوك على نهج شمولي لكافة حقوق الإنسان ولا يقتصر على قراءة مجزؤه تستند إلى الحق في حرية الرأي والتعبير، فحقوق الإنسان تتكامل وتتقاطع وتقوم على قراءة كلية شمولية، وعليه، فإن المقياس القائم على حرية الرأي والتعبير يغدوا يتيماً وهذه الحالة ولا يستند إلى مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية، ففي العديد من الإجتهادات التي تصدت لها لجان الأمم المتحدة في الفصل في بعض البلاغات والشكاوى، لم تقتصر النظر على السلوك المجرد وإنما أخذت بعيين الاعتبار الأثار التي من الممكن أن تنشأ عن هذا السلوك وكذلك الأمر كانت أداة الإختبار كلية بالنظر إلى مدى تقاطع السلوك مع كافة الحقوق.
فالإقدام على حرق المصحف الشريف يشكل سلوكاً يرقى إلى إعتباره سلوكاً تمييزياً قائم على أساس معادة فئة من المجتمع على أساس الدين، كما أنه من شأن هذا السلوك أن يؤدي إلى العنف الأمر الذي يرقى إلى إعتباره شكل من أشكال التطرف ويؤدي التطرف العنيف وربما تتصاعد آثاره أكثر من ذلك، والتالي يخل بالمقاربة الحقوقية برمتها، فضلاً عن أنه يشكل إخلالاً بحرية المعتقد الديني وممارسة الشعائر الدينية، فالأمر في الأديان ذو طبيعة معقدة مركبة يجب عدم الاستناد في تقدير السوك على اعتباره نشاطاً مجرداً فقط، بل يجب ان تتعدى أدوات الفحص إلى طبيعته وآثاره وتداعياته والسياق الزمني والجغرافي وغيرها من عوامل.
ولا يجوز النظر إلى الفعل وإعتبار أن هذا السلوك في ذلك المجتمع يشكل شعيرة ، بل في الإسلام وتعاليمه يشكل المصحف الشريف جزء ومحور العقيدة ولا يجوز إعتباره شعيره و أن المساس بها يمكن تقييده بناء على مقاربة النظام العام المتباينة من مجتمع إلى أخر، فالأمر في الدين الإسلامي مختلف كلياً بإعتبار المصحف الشريف أساس العقيدة فإي مساس به يعتبر مساساً بالجانب العقدي، كما أن فهم السياق وتداعياته يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في ذلك، فالإقدام على هذا الفعل الدنيء في هذا التوقيت يهدف إلى المساس بأكبر قدر ممكن من المشاعر والطقوس الدينية الأمر الذي لا يمكن وصفه أو إتساقه مع حرية الرأي والتعبير.
أمام هذا التوجه الرسمي في ترخيص مثل هذه السلوكيات فإن العالم يغدو بأمس الحاجة إلى تطوير فهم مشترك حول حرية المعتقد الديني، وهذا لا يتأتى إلا من خلال دعم جهود الأمم المتحدة لتبني إتفاقية دولية تقوم على أساس إحترام الأديان والعقائد، ولعل أول الجهود الأممية في ذلك كانت خطة الأمم المتحدة في حماية المواقع الدينية في العالم، في محاولة أولى للحد من الكراهية والعنف والتطرف العنيف الذي يتخذ من الأديان أساساً له ومن تضمنته من توصياته في هذا الشأن.
إلا أن ذلك الجهد غير كاف فالأمر يحتاج إلى إجراءات اكثر صرامة من الخطط والسياسات والانطلاق فعلاً إلى بحث الحاجة الحقيقية للعالم لتبني اتفاقية دولية تمنع التعدي على الأديان وازدراء شعائرها وطقوسها والقائمين عليها لتشكل نهجاً عالمياً عابراً للممارسات الفردية التي تتبناها بعض الدول.
وعليه، فإن تدنيس الكتب المقدسة ودور العبادة أو المساس بها أو بأرباب الشرائع والسماوات أو الرموز الدينية أمر يمكن أن يؤدي إلى التحريض على العنف وبالتالي الإخلال بمقاربة حقوق الإنسان الكلية فضلاً عن مساسه بالكرامة الإنسانية المتأصلة والقائمة على الوجدان والسلام والسكينة النفسية والتي تستند في كافة أنحاء العالم إلى الأديان والمعتقدان، فالمساس بها يشكل تعدياً على هذه الكرامة الوجدانية والإستقرار والسكينة النفسية والعقلية والوجدانية، ومتطلب ذلك كله الإحترام المتبادل بين الأمم والحضارات.
ولعل من أهم التأصيلات الحضارية قيلت في هذا الصدد، بأن الحق في المعتقد الديني وممارسة الشعائر والطقوس الدينية وان كان حق مدني النشأة إلا انه أمام التحولات العالمية التكنولوجية وتحولات المواطنة العالمية والرقمية وتحول جذري بفكرة العيش المشترك القائم على الاحترام المتبادل العابر للحدود الوطنية للدول، وأمام المد العالمي الذي يعترف بالمواطنة العالمية فإن هذا الحق يعتبر مدني وفردي النشأة عالمي الممارسة فأي سلوك من شأنه إزدراء الأديان أو المساس بشعائرها يعتبر تقويض لكل هذه المبادئ السامية.
لا تعليق