لا يمكن أن نصنّف ما تضمنه اعلان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة حول رؤية حكومته لتطوير القطاع العام على أنه “اصلاح” بأي شكل من الأشكال، على العكس تماما، هو هدم للقطاع العام عبر تحويله إلى ما يشبه الشركة الخاصة؛ شركة خاصة في ادارة الموارد البشرية فقط وليس في الأداء!
ما طرحه رئيس الوزراء كارثة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، ففي النظام الجديد سيكون التعيين وفق نظام الإعلان المفتوح الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام “الواسطة”، بغضّ النظر عن الترتيب التنافسي الذي يستند أصلا إلى كفاءة وأقدمية طالب الوظيفة.
ادعاء الخصاونة ومن ورائه نائبه ناصر الشريدة أن الذهاب نحو نظام “الإعلان المفتوح” يستهدف اختيار الأشخاص الأكثر كفاءة وجدارة لشغل الوظيفة الشاغرة، يحمل في طيّاته اساءة لموظفي القطاع العام؛ كأن اختيار أولئك الموظفين لم يأخذ بعين الاعتبار كفاءتهم، وكأن أولئك الموظفين لم يخضعوا لامتحانات تنافسية في ديوان الخدمة المدنية ومقابلات شخصية من قبل متخصصين للوقوف على جدارتهم، وكأن أولئك الموظفين هم السبب في تراجع أداء القطاع العام.
الحقيقة أن تراجع أداء القطاع العام لا يتعلق بنوعية وكفاءة وجدارة الموظفين، بل بسوء اختيار الحكومة لشاغلي الوظائف القيادية في غالبية المؤسسات وسوء اختيار الوزراء، بالاضافة إلى سيطرة الواسطات والقرار الأمني على الترفيعات والترقيات والتنقلات في المؤسسات، ولعلّ الموظفين يعرفون جيّدا كيف تتمّ عمليات الترقية والترفيع في القطاع العام، تماما كما يلمس المواطن العادي تغيّر أداء المؤسسات بتغيّر اداراتها.
في النظام الجديد الذي تريد حكومة الخصاونة تطبيقه، لن يكون هناك أي أمان أو استقرار وظيفي، حيث ستصبح العقود سنوية لا يتمّ تجديدها تلقائيا، وسيصبح التجديد مرتبطا بقرار من المدير أو الوزير المباشر، وبالتالي سيكون الأمر خاضعا لأمزجة الوزراء والمديرين، بالاضافة إلى حجم الواسطات والتوصيات الأمنية التي لن تتوقف مهما كانت الضمانات التي تقدّمها الحكومات مسلوبة الولاية العامة.
بالتأكيد ستزعم الحكومة أن جدارة الموظف وكفاءته وأداءه ستكون الفيصل في تجديد العقود من عدمها، وأن تقارير تقييم الأداء ستكون المرجع، وأن الأنظمة والتعليمات ستضبط هذه العملية، لكن من سيُصدّق هذا في ظلّ الشواهد الكثيرة على غياب العدالة في التعامل مع موظفي القطاع العام؟! من سيُصدّق هذا وأمامه مئات الحالات لمعلمين جرت إحالتهم إلى التقاعد المبكّر أو الاستيداع أو نقلهم من مراكز عملهم لسبب وحيد وهو ممارسة نشاط نقابي فقط؟!
في عهد بشر الخصاونة نشهد تسارعا في تحويل القطاع العام إلى ما يشبه شركة مساهمة خاصة، وقد بدأ ذلك بتعديل نظام التعيين في الوظائف القيادية، من خلال اضافة بند يتيح لمجلس الوزراء تعيين موظفين قياديين بعيدا عن أية معايير كان النظام السابق ينصّ عليها، والآن جاء الدور على نظام الخدمة المدنية من خلال الذهاب نحو تغيير آلية التعيين وحتى آلية انهاء خدمات الموظفين!
لا تعليق