هل سمعتم من قبل بمصطلح التمييز القائم على الحمل؟ على الأرجح إن كنت رجلاً فالإجابة ستكون لا، وإن كنتِ امرأة، فإنك على الأغلب إما مررتِ بموقف تعرضتِ فيه للتمييز بسبب حملك، أو أنك فكرتِ في الخطر الذي سيشكله حملك في المستقبل -إن كنت تخططين لذلك- على مسيرتك العملية.
عادةَ ما يطفو الحديث حول التمييز ضد النساء بسبب حملهنّ في مكان العمل على السطح بسبب حادثة أو قضية تنتشر في وسائل الإعلام تخص هذا السياق. ومؤخراً، تجدد الجدل بسبب حادثة شهدها الأردن، حيث تم نشر إشعار عمّمته إحدى المدارس الخاصة تطلب من معلماتها تنظيم حملهنّ بحيث تكون ولادتهنّ خلال إجازة فصل الصيف.
وتأمر المدرسة موظفاتها بـ “ضرورة تنظيم الحمل بحيث تكون الولادة خلال عطلة الصيف أي منذ يونيو/حزيران وحتى نهاية أغسطس/آب”، بحيث تضمن إدارة المدرسة عدم تعطل العمل خلال العام الدراسي إذا ما أخذت إحدى المعلمات إجازة ولادة وأمومة.
أثارت الحادثة جدلاً واسعاً، دفع وزارة التربية والتعليم لاستنكار ما حدث وفتح تحقيق لمحاسبة المسؤولين.
هذا الموقف ليس فريداً من نوعه، إذ تقول آلاء -وهو اسم مستعار لضمان خصوصيتها- لبي بي سي إنها واجهت صعوبات كبيرة في إيجاد عمل أثناء حملها، إذ تقدمت بطلب توظيف كمعلمة لإحدى المدارس الخاصة في عمّان، وبعد اجتيازها للامتحان ووصولها للمقابلة، تم إخبارها أنه لن يتم توظيفها والسبب هو حملها. كما أخبرها أحد المشرفين أنها إذا عادت للتقدم بطلب التوظيف بعد ولادتها فإنه سيتم توظيفها.
كما تروي آلاء ما حدث مع صديقتها، التي تم رفض تجديد عقد عملها مع إحدى المدارس كمعلمة أيضاً، بعد أن علموا بأمر حملها.
مشكلة تواجهها النساء حول العالم
تتعرض النساء العاملات للتمييز القائم على الحمل من قبل إدارات مؤسساتهنّ بشكل لا يجعل مثل هذه المواقف فردية أو فريدة من نوعها أو مقتصرة على دولة واحدة، وإنما هي مشكلة شائعة تواجهها النساء حول العالم.
تنص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على عدم التمييز ضد النساء بسبب الزواج والأمومة ضماناً لحقهنّ الفعلي في العمل. وعلى الرغم من أن معظم دول العالم وقعت على هذه الاتفاقية، التي تضمن حقوق النساء في قوانين العمل والدساتير المعمول بها، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع مختلف تماماً، خاصة في القطاعات الخاصة من العمل، إذ تواجه فيها النساء صعوبات وتمييز، وغالباً ما تمنعهنّ صعوبة الوضع المادي أو صعوبة إيجاد وظيفة أخرى، من التبليغ أو اتخاذ إجراء ضد المؤسسة.
والنتيجة واحدة، ألا وهي: عدم القدرة على المحافظة على التطور الوظيفي أو العمل، بسبب الرغبة في إنجاب طفل.
قوانين تمنع التمييز القائم على الحمل
تفتقد الدول العربية للأرقام والإحصائيات الرسمية لعدد الشكاوى أو الانتهاكات لقانون العمل فيما يخص التمييز ضد النساء خاصة القائم على الحمل، إلا أن الأرقام في الولايات المتحدة، تشير إلى أن أكثر من 50,000 شكوى تندرج تحت التمييز القائم على الحمل تم رفعها خلال السنوات العشر الأخيرة، بحسب لجنة تكافؤ فرص العمل EEOC ومؤسسات ممارسة التوظيف العادل FEPA.
وبحسب لجنة تكافؤ فرص العمل الفيدرالية، وهي هيئة رسمية تابعة للحكومة الأميركية، فإن قانون التمييز القائم على الحمل PDA والذي تفرضه وزارة العمل الأمريكية يمنع التمييز ضد النساء بسبب الحمل، وتعرّف التمييز القائم على الحمل بأنه معاملة المرأة بشكل سلبي والتمييزضدها بسبب الحمل، الولادة أو أي حالة طبية مرتبطة بالحمل أو الولادة.
هل يمكن للدول العربية سنّ قانون مشابه يمنع التمييز ضد النساء على أساس حملهنّ؟
تقول علياء عواضة، الصحفية المختصة في مجال العدالة الجندرية ومديرة No2ta المختبر النسوي، إن التمييز ضد النساء بسبب حملهنّ في أماكن العمل في العالم العربي هو مشكلة شائعة، خاصة ما إذا كانت المرأة في مرحلة البحث عن عمل، فإن نسبة قبولها في وظيفة جديدة أثناء حملها تقارب الصفر.
وفي سؤالها عمّا إذا كان العالم العربي بحاجة إلى قوانين عادلة تخص التمييز ضد العاملات أثناء حملهنّ، تقول عواضة إن التمييز في دولنا لا يتعلق بالقوانين فقط، إذ إن القوانين على الورق تؤكد على عدم التمييز، وإنما يرتبط بالثقافة المجتمعية التي تعامل النساء باعتبارهنّ غير قادرات على أن يكنّ مستقلات وإنما يعتبرن تابعات للعائلة ولرجالها.
وتؤكد عواضة: “الثقافة المجتمعية هي ما يغذي القوانين، وعلى الإجراءات التطبيقية التي تعمل على منع التمييز ضد النساء بسبب حملهنّ في أماكن العمل أن تتماشى مع الثقافة المجتمعية، والتي يجب العمل عليها وإصلاحها لتنظر نظرة عادلة للنساء”.
أهمية حق النساء في العمل والتطور
تدفع النساء حول العالم ضريبة الحمل والأمومة على أصعدة عدة، أحدها عملهنّ وتطورهنّ الوظيفي، الذي سيواجه عقبات كثيرة في حال أصبحن أمهات، خاصة في الإدارات التي يترأسها الرجال، إذ أنهن لن يتمكنّ من منافسة نظرائهنّ الرجال -المتفرغين من المسؤوليات تجاه أطفالهم-، للحصول على الوظائف والمناصب الإدارية العليا.
وعن ذلك تقول علياء عواضة إن الأمومة بشكل عام تؤثر على النساء بشكل أكبر، وذلك بسبب الفهم الخاطئ لمسؤوليات العمل الرعائي للآباء وكذلك لإجازات الأبوة في عالمنا. وهو ما تغير كثيراً بالنسبة للأجيال الشابة، ولكنه لا يزال قائماً حتى ولو بنسب قليلة.
إن التمييز القائم على الحمل هو حقيقة لا يمكن إنكارها، تتعرض لها النساء في أنحاء العالم، على اختلاف المستويات والطرق. ويبقى السؤال الملح هنا هو: ستتمكن النساء من الاستمرار في خوض المعركة المُستعرة للتوفيق بين مسيرتهنّ العملية وبين أمومتهنّ؟ وهل سيتمكنّ من الصمود أمام خطر خسارة الوظيفة والتطور العملي بسبب الحمل؟
لا تعليق